▪️خطبة الجمعة الثانية مــن ذي الـحـجـة
1442هـ ـ ²⁰²¹ م
▪️(الخطبة الأولى)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وأشهد ألا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أما بعد/ عباد الله الأكارم:
يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} هذه الآية تحكي عن واقع جميع البشر، وتعبّر عن مدى حاجتهم لله سبحانه وتعالى، وتتفاوت هذه الحاجة عند المجتمعات، فالبعض يرون أنفسهم محتاجين لله فيما يتعلق بتوفير الخدمات فقط؛ فيريدون من الله أن يرزقهم وأن ينزل لهم الأمطار وأن يمنحهم العافية، والبعض إلى جانب ذلك يرون أنفسهم محتاجين إلى الله أيضًا فيما يتعلق بالتشريع لهم لكن في بعض القضايا المحدودة وليس في كل شيء، وكلا الحالتين ليست صحيحة، والصحيح هو: أن نفهم أنّ الله في الوقت الذي تكفل بالرزق وغير ذلك من الأمور المادية، هو أيضًا المتكفل وهو من له الحق في التشريع لنا في كل جوانب حياتنا؛ لذلك نحن جميعًا فقراء إلى الله سبحانه وتعالى ليس من أجل أن يوفر لنا الخدمات فقط، وإنما نحن محتاجون إلى الله أن يهدينا في كل مجالات حياتنا، لذلك نحن نطلب من الله في سورة الفاتحة أن يمنحنا هذا الجانب المهم الذي لا نستطيع تحقيقه لأنفسنا من دون الاستعانة بالله سبحانه وتعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.
أيها المؤمنون:
على مر التأريخ نجد أنّ الله لم يترك عباده هملًا، وبقيت مسيرة الهداية عبر الرسل والأنبياء وورثتهم الحقيقيين مستمرة وقائمة، وعلى مر التاريخ كان هناك من يتصدى للرسل والأنبياء من قوى الطاغوت التي تسعى إلى فصل الناس عن حلقة الوصل بهدى الله، ومن أهم ما تركز عليه قوى الطاغوت: أن تفصل الناس عن مصادر الهداية، لماذا؟ لكي يبقى الناس مرتبطين بها وخاضعين لها ومتبعين لها، ولكي تتمكن من أن تكون هي الموجهة والآمرة والمؤثرة والمستغلة والمتحكمة في الناس، ثم تصيغ لهم من الأفكار والتصورات والعقائد بما يتناسب مع مصالحها، وبما يعزز نفوذها، وبما يمكنها أكثر، والمسالة كلها هي مسألة استغلال واستعباد.
عباد الله:
عندما نعود إلى واقعنا الإسلامي نجد أنّ الله أنعم علينا بدينٍ كامل وشامل لكل شؤون الحياة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} الدين الإسلامي اكتمل في كل ما يتعلق به من تشريعات وتوجيهات وعقائد وتعليمات، وفي كل ما نحتاج فيه إلى بصيرة ووعي وفهم ومعارف ذات صلة مهمة لمسؤولياتنا في الحياة، ولم يبقَ علينا إلا أن نتبع هذا الدين، ونتمسك به؛ لنحصد ثمار هذا الاتباع في كل ما ارتبط به من وعود إلهية: (البركات، الخيرات، رضا الله، رحمته، فضله، كرمه، النصر، العزة، التمكين، الخير والسعادة في الدنيا وفي الآخرة).
كمال هذا الدين كان من خلال إعلان مبدأ عظيم يحفظ لنا ماذا؟ يحفظ لنا استمرارية الاتصال بمصادر الهداية، هذا المبدأ هو: مبدأ الولاية، فالرسول صلوات الله عليه وعلى آله كان يتحدث في الفترة الأخيرة من حياته عن قرب رحيله من هذه الحياة، والرسول كان هو بنفسه مصدر هذه الهداية التي نرتبط بالله من خلالها، والتي يصلنا من خلالها وحي الله وهديه ونوره، وكان هو القائم على تطبيق هذا الدين، والقائد الذي يسير بالبشرية في هذا الاتجاه، كان يتحدث عن قرب رحيله من هذه الحياة ويقول: (إني أوشك أن أدعى فأجيب) ويقول لهم في حجة الوداع (ولعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا) وفعلاً أقل من ثلاثة أشهر بقي رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ثم توفي ورحل عن هذه الحياة.
الرسول قال في بلاغه: (إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين) كيف كانت ولاية رسول الله في امتدادها لولاية الله؟ كانت ولاية هداية وقيادة، ثم يقول: (فمن كنتُ مولاه) هكذا بهذا التعبير الواضح ويقصد تلك الولاية التي قال فيها عن نفسه: (وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم) (فمن كنت مولاه فهذا عليٌ) وهو إلى جانبه يمسك بيده، ويقدمه أمام الجميع (فهذا عليٌ مولاه).
هنا الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وقبل رحيله من هذه الحياة يريد منا أن نعرف من هو الذي يمثل امتدادا يوصلنا به، ومن هو الذي يعتبر فعلاً امتدادا لمصدر الهداية ذلك؛ لأنه يعرف أنّ الأمة حتماً ستختلف، والأمة حتماً سيدخل فيها الكثير من أشكال الاستغلال والتلعّب حتى بالعناوين الدينية، وهنا الرسول صلوات الله عليه وعلى آله بأمر من الله حَسَمَ المسألة، ووضح وبيّن وقدّم هذا البلاغ الذي له تلك الأهمية، بلاغٌ بمبدأٍ إذا غاب أو عُطّل فكأن هذا الدين لا وجود له، إذا غاب هذا المبدأ أو عُطِّل تعطلت ثمرة هذا الإسلام في مشروعه التربوي والحضاري، وفي ثمرة تعليماته وتوجيهاته في الحياة، وتحولت تلك التعليمات وتلك العناوين إلى عناوين معطلة تُستغل وتُوظف توظيفاً آخر من قبل جهات أخرى كما كانت توظف العناوين الدينية في الزمن الجاهلي لاستعباد الناس واستغلال الناس.
الأمة إذا فارقت هذا المبدأ ستكون ضحية للتضليل، وستفتح على نفسها كل النوافذ التي يُطلّ منها كل ضال وكل متجبر وكل طاغية، والذي حصل في واقع الأمة عندما لم يَرُق للكثير من الناس هذا المبدأ بكل ما له من جاذبية، وبكل ما فيه من وضوح، وبكل ما يحققه من ضبط لمسار الأمة ومسيرتها في دينها، وبما يحافظ على الامتداد السليم لهذا الدين ليبقى في أجيال الأمة يصلها جيلاً بعد جيل بشكلٍ مضمون وموثوق ونقيٍ وسليم، والرسول حينما قال للإمام علي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) فإنه هنا يحدد طبيعة الدور للإمام علي عليه السلام بأنه سيمثل بعد رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله حلقة الوصل والامتداد الأصيل في موقع القيادة والهداية ليس من موقع النبوة ولكن من موقع الولاية.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
▪️( الخطبة الثانية )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ وآله الطاهرين، ورضي الله عن صحبه المنتجبين.
أما بعد/ أيها المؤمنون:
سنة الله في الهداية تتمثل في (منهج وعَلَم)، والقرآن ينص على أن الأمة بحاجة إلى القرآن وإلى عَلَم قائم يتجسد فيه القرآن، هو امتداد ووارث للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في كل عصر من العصور وهذا ما يؤكده الله في القرآن حينما قال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} وأيضا حديث الثقلين المتواتر عن رسول الله الذي قال فيه: (لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدًا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إنّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) والانصراف عن ذلك هو انصراف إلى ماذا؟ انصراف إلى واقع كبير من حالة الفوضى، حيث يأتي الكثير من الأدعياء ممن يقدمون أنفسهم باسم الدين وباسم الإسلام وباسم القرآن، ويأتي الكثير والكثير من أولئك الطغاة والجائرين والظالمين والمضلين وإذا بهم يوظفون حتى العناوين الدينية ويستغلونها لصالحهم استغلالاً عجيباً جداً.
أليس النظام السعودي الظالم المفسد المنافق الذي يرتكب أبشع الجرائم والمظالم والمفاسد، والذي هو بؤرة للضلال والباطل والفساد في الأرض؟ أليس يقدم اليوم نفسه بثوب الإسلام؟! وعناوين الإسلام؟! وباسم الإسلام؟! أوليس يستغل حتى شعائر الحج؟! وحتى سيطرته على مكة وعلى المسجد الحرام مثلما كان يفعل المشركون الذين سيطروا على مكة وعلى المسجد الحرام وعلى شعائر الحج وأداروها حتى على مدى عشرين عاما من مبعث رسول الله بالرسالة إلى ما قبل وفاته بثلاث سنوات.
أوليست العناوين الدينية اليوم تستغل هنا وهناك؟ كما التكفيريين تماماً، يستغلونها للإضلال للناس، للخداع للناس، للدفع للناس إلى مواقف، لتحريك الناس حيث يشاء ذاك الطاغية أو يريد، وفي الأخير توظَف لمصلحة منافقين يعملون لصالح أمريكا وإسرائيل.
أيها المؤمنون:
(من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) ماذا تعني كل تلك النصوص؟! يعني: بأن هذا هو الكفيل بأن يحرر الأمة من جديد من كل قوى الطاغوت والضلال التي تسعى دائماً لفصل الناس عن مصادر الهداية؛ لتستغل الناس، وتتحكم بالناس، وتسيطر على الناس بالباطل، وتفتري على الله الكذب، ثم يوظف لها كل شيء في الدين لخدمتها، الزكاة يأكلونها، منابر المساجد في كثير من الأقطار تتحول إلى بؤر لإضلال الناس والسعي للتأثير على الناس في ما يعبدهم لهم، حتى عنوان الجهاد يحركه التكفيريون ويحرفونه عن غير مواضعه، ويتجهون بالناس إلى ما فيه خدمة لذلك الطاغية أو تلك الجهة، لكن بالارتباط بمصادر الهداية تغلق تلك النوافذ الكثيرة التي فتحت من كل اتجاه، فأطل منها الجائرون والطغاة من موقع القيادة، وأطل منها علماء السوء والمضلون باسم الهداية، فذاك وذاك يغلبه هذا المبدأ العظيم: (مبدأ التولي الصادق والعملي لله ولرسوله وللإمام علي ولأعلام الهدى).
أيها المؤمنون:
ما بعد عيد الأضحى المبارك ينبغي ألا يكون كما كان قبله خصوصا فيما يتعلق بمواجهة العدوان الأمريكي السعودي؛ لأن هناك الكثير من الأحداث التي تؤكد وتعزز صوابية موقفنا؛ فها نحن اليوم في آخر أيام الحج، وقد انتهت هذه الأيام وجميع المسلمين حُرموا ومُنعوا من قبل النظام السعودي عن تأدية هذه الفريضة المهمة تنفيذًا لأجندات ومخططات اليهود في الوقت الذي يسمحون بالتجمعات والاختلاط في أماكن الفسق والفجور، كما أنّ الانتصارات التي تحققت بفضل الله سبحانه وتعالى في جبهة البيضاء على أيدي أبطال الجيش واللجان الشعبية بالتعاون مع الأحرار الشرفاء من أبناء محافظة البيضاء على التنظيمات التكفيرية كداعش والقاعدة ليؤكد الحقيقة التي كنا نقولها دائما: (أنّ القاعدة وداعش صناعة أمريكية) وكل ذلك يحتّم علينا أن نتحمل مسؤوليتنا بشكلِ أكبر، وأن نستمر في مواجهة العدوان ورفد الجبهات بالمال والرجال حتى يتحقق لنا النصر المؤزر بإذن الله سبحانه وتعالى.
وفي الأخير: ننبه على ضرورة التفاعل والاحتشاد في كل الفعاليات بمناسبة عيد الغدير وذكرى الولاية لنعبّر عن مدى شكرِنا للهِ سبحانه وتعالى بإكمالِ الدينِ وتمامِ النعمةِ، ولنّجدد ولائِنا الصادقِ والعملي للهِ ولرسولِه وللإمامِ عليٍ (عليه السلام) ولأعلامِ الهدى من أهلِ بيتِ رسولِ اللهِ (صلواتُ اللهِ عليه وعلى آله).
عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم، وعلى أخيه ووصيه الإمام علي بن أبي طالب، وعلى فاطمة البتول الزهراء، وعلى سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين، وارض اللهم عن الصحابة الأخيار من المهاجرين والأنصار.
{ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} اللهم ثبت أقدام إخواننا المجاهدين في مختلف الجبهات، وكن اللهم لهم حافظًا وناصرًا ومعينًا، واجعلنا من أوليائك وأولياء رسولك وأولياء الإمام علي (عليه السلام) وأولياء أعلام الهدى من أهل بيت نبيك، ونبرأ إليك من أعدائك وأعدائهم، {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
➖➖➖➖➖ ➖
📝 صـادر عـن الإدارة العامــة للوعـظ والإرشاد بديـوان عــام الــوزارة.
----------------------------
🖥️
قناة خاصة
بالتعاميم
وخطب الجمعة
والمناسبات الدينية
وغيـرها
https://t.me/wadhErshad
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق